شئُ من الخوف


شئٌٌ من الخوف
بقلم ياسر حسن
انتفض الجسد المترهل الساكن من على كرسيه المتحرك ، قام بعد أن استجمع كل قواه وكأنه ابن العشرين ،مد يده إلى معوله وكسر الاسورة الحديدية الصلبة .بعدما عجز زمرة من الشباب أن يكسروها مجتمعين .أحس بعدها هذا الجسد ان حِملاً قد وقع من عليه وأن هماً ممتداً لازمه طيلة أربعين عاماً قد سقط من على ظهره.هذا مقطع من رواية للاديب النيجيرى وول سونيكا الحائز على نوبل فى الادب، دار بخلدى وأنا أقرأ روايته ماحدث فى الاسابيع الاخيرة فى مصر ،وأن الذى حدث لهذا الجسد المترهل الساكن .حدث مع الجماهير الصامتة دون إرادتها المغلوبة على أمرها ،كأن شيئاً ما هز هذا الجسد بعنف وكأنها كانت تنتظر من يوقظها من هذه الفغلة وينادى عليها بأعلى صوت .متى تفيق..متى تستيقظ.انظر من حولك الكل تغير وتحرر وتمرد على البطش.انهض قبل أن يفوت قطار العصيان.فينظر إلى من حوله فلا يجد إلا عبوس وجه، وسخط شعوب، وهزات ريختر تدفع بعنف إلى حيث يريدون، فيقف برهه ويفكر أفعل أولا أفعل ،وإذا فعلت فما مصير بناتى اللواتى لم يتزوجن .هل سيطولهم طابور العنوسة ، وإذا فعلت هل اكون تحت رحمة بطش امناء الشرطة والمخبرين، أو فعلت هل احرم من راتبى الهزيل الذى ينتهى وقت أن اتسلمه! وإذا بشرارة توقد وإذا بالثورة تشتعل وبدلاً من العجز يصبح القوة إلهامه ، وينقلب الصمت الخافت إلى نداء إستغاثة يملأ الدنيا.
كل هذا حدث فى يوم وليلة وها هو نموذج شهدته الاسكندرية متمثلة فى حادثة شاب فى ريان شبابه طريقه وردى، يتمتع بكامل قواه البدنية والعقلية ،يناديه المستقبل المشرق أن الدنيا أمامك تمتع بها واصنع منها نجاحاتك ،لكن يبدوا أن إرادة الله لم تدم كثيراً. فقد تغير الوضع وأصبح خالد سعيد مجرد ماضٍ وتبدلت الشمس الذهبية إلى لون السواد المثقوب يظهر من بين ثناياه صوت صراخ صّم الاذان وهيج مشاعرها المتأججه.مصر كلها وقفت تلبى نداء الحرية فعلت ما كانت ترغب فيه أن يكون منذ عشرات السنين ،خرجت وقد أدمت بكل طوائفها دمع البائسين أعلنوا خلالها صغاراً وشيوخاً رجالاً ونساءا أن لا قهر بعد اليوم ولا سكون سيمر على مصر من الان فصاعدا.كل القوى الوطنية أعلنت الحداد واتشحت بالسواد من الاخوان المسلمين إلى الحركات الشعبية ممن لهم تواجد وممن انكسفن ،كلهم خرجوا لا يبغون إلا نصرة الحق ولا شئ سواه. كلهم قالوا أن شئًُُُُ من الخوف قد زال أما الأن فلا تراجع .ظلت الشعوب تصرخ إلم يكفكم مئات الضحايا ..ألم يكفكم ما فعلتموه فى حماده عبد اللطيف من قبل ..ألم يكفكم قتل أكرم زهيرى وهو فى عربة الترحيلات .ألم يكفك ما فعلتموه فى عم صابر من جلد وتعذيب ..والقائمة تطول أخرها خالد سعيد.
حتى الشريف سجنتوه والمرتشى تركتموه ..ألم ألم.إنها بداية إنهيار الحكم السلطوى المستبد الفرعونى ، وبداية حياة جديدة تقف بالمرصاد من الأن فصاعداً بكل قوة ضد أى ظلم أو عدوان مهما كانت قوته وعنفوانه وسلطانه.كثيراً ماكنت أحاور نفسى بخصوص تلك المشكلة وأنتهى بنفس السؤال:هل كل واجبى أن أدفع الناس للذهاب إلى صناديق الانتخابات وتعريفهم بأن صوته حق تام لاتفريط فيه ، فاذا بكل الجماهير تخرج الى الصناديق ،فذهبوا وانتخبوا دون تفكير وماذا بعد! وكان السؤال الأهم هو أن اذكرهم بأنه مهما بلغ الظلم أشدٍٍٍه فلا بد وأن ينتهى ويزول حتى ولوانتظرنا سنين طوال.أستطيع أن اتفهم ما ستقولونه عن أن هذا مستحيل ، وأنه من باب الافلام الأبيض والاسود لكن هى الحقيقة. أن الايمان بالله ومعرفتنا بأن الرجل الواحد يبنى أمه إذا صحت رجولته مهما كان حجمه أمام الناس لكنه عند الله كبير!
إن الحقيقة التى نحن بصددها هى مشروع انتفاضة شعب كان جسداً مترهل ساكن أصبح الأن فى ليلة أو ضحاها يفعل ما قاله الاديب النيجيرى وول سونيكا يستجمع كل قواه ويضرب بالمعول ليكسر حاجز الخوف وحتى وإن كان قلبه خائف لا يراه إلا الله.

ليست هناك تعليقات: