لم يقدر على الحمار قدر على البردعة

فجأة وبدون مقدمات صدرت الأوامر من مدينة الإنتاج الإعلامي لإغلاق استوديوهات قناة أوربت، بسبب لم يأخذه أحد على محمل الجد، وهو تأخر القناة في تسديد مستحقات تزيد قليلا عن الخمسة ملايين جنيه وهو مبلغ تافه بالنظر لحكم تعاملات أوربت مع مدينة الانتاج منذ ما يقارب العشرة سنوات، وحتى عندما جرى تحويل المبلغ لم يتغير القرار ليكتشف الجميع أننا أمام قرار سياسي تستر خلف ذريعة وهمية لوقف بث أوربت من القاهرة ووقف بث برنامج القاهرة اليوم الذي يقدمه عمرو أديب.
وطبعا لا يمكن أن يخرج البرنامج من دبي أو لندن لاعتبارات فنية عديدة أبرزها البعد عن الحدث والضيوف وأجواء القاهرة، وبالتالي فقد يكون القرار الأخير هو نهاية لبرنامج لم يكن في حقيقته معارضا للنظام، ولكن أقطاب النظام الآن لم يعد لديهم من الصبر أو الوقت ما يمكنهم من الصبر على وجود قنوات ليست تحت سيطرتهم بالكامل.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يسعى فيها من يقفون خلف القرار لوقف البرنامج، ولكن في المرات السابقة تدخل مبارك الذي أمر بفتح الاستوديوهات واستمر البرنامج، ولكن هذه المرة لم يتدخل أحد في مؤشر لضعف تأثير مبارك شخصيا الآن على الأحداث، وأن أصحاب ملف التوريث باتوا في موقع أكثر تأثيرا وإحكاما للسيطرة على الموقف من السابق.
جاءت هذه الخطوة بعد الكثير مما يقال الآن من ضغوط تمارس على القنوات المصرية الخاصة للجمها والسيطرة على ما يعرض فيها، سواء من جهة تحجيم ظهور القوى المعارضة للتوريث وعمل لقاءات معها أو إتاحة فرص الظهور الإعلامي لرموزها، أو لجهة تخفيف حجم الانتقادات التي تحفل بها تغطية هذه القنوات للوضع المأساوي للمواطنين ولتردي الخدمات وتفشي حالة الفقر ونقص الخدمات على كل المستويات مما يخلق أجواء ناقمة على الحزب الوطني ورموزه وعلى فساد النظام بوجه عام.
هل سيكون برنامج القاهرة اليوم هو رأس الذئب الطائر الذي سيجري بعد ذلك تهديد باقي القنوات والبرامج الخارجة عن التعليمات به، وهل يمكن فهم ما صرح به من قبل رجل الأعمال أحمد بهجت من ضغوط وصداع بسبب برنامج العاشرة مساء وخلافه من برامج.
المعلومات التي لدينا تفيد بأن مجموعة التوريث المتلسطة الآن على مفاصل الحكم في مصر، رأت أنها لابد في هذه المرحلة الحساسة في مشروعها السيطرة شبه الكاملة على الإعلام الفضائي، وأن ما حدث لبرنامج القاهرة اليوم سيكون بمثابة رأس الذئب الطائر الذي سيستخدم لتخويف الآخرين بجدية التهديدات.
ومن ناحية أخرى فإنه جاري العمل على قدم الوثاق لإطلاق شبكة قنوات البيت بيتك بمشاركة بعض أهم رجال الأعمال الداعمين لمشروع التوريث الذي دخل في مراحله النهائية، حيث ينتظر أن تتوفر للقناة دعم مادي قوي من رجال المال والأعمال ومنهم المهندس أحمد عز وياسين منصور ومحمود بركة وإيهاب طلعت،ويتوقع أن يدير المهندس أسامة الشيخ رئيس التليفزيون الحالي القناة أو شبكة القنوات الجديدة بعد أن يستقيل من التليفزيون المصري، وكل ذلك بهدف السيطرة على الإعلام في مصر لدعم مشروع التوريث.
فهل سينجح جمال مبارك ومجموعته في وأد الهامش الضئيل من الحرية الإعلامية التي اكتسبها الشعب المصري وإعادتنا إلى عصر الإعلام الموجه والمسيطر عليه؟

ليست هناك تعليقات: