بعد خلع مبارك وأسرته، علت الأصوات المنادية بحل جهاز أمن الدولة. ومنذ الأيام الأولى للثورة المصرية تم اقتحام بعض مقار الجهاز الأخطبوطي اللعين، كما حدث في دمنهور والمحلة الكبرى، ولكن بقيت المقرات الكبرى للجهاز بالقاهرة والإسكندرية بكامل قوتها، بل وصل الأمر بالمدعو هشام الخطيب وبعض الضباط والمخبرين بالتربص ببعض المتظاهرين والانفراد بهم والاعتداء عليهم بالضرب والسباب - اعتداءً خفيفاً نسبياً - مع التأكيد عليهم أنهم لا يزالون موجودين وأنهم سيعودون أقوى من ذي قبل وسينتقمون (كان هذا قبل التنحي بأيام).
بعدها، بدأت الوثائق المعثور عليها في مقر أمن الدولة بدمنهور تفضح الكثير والكثير من مخالفات قانونية ومن تغلغل سلطوي في أركان المجتمع، ومع التركيز على إقالة حكومة شفيق يا راجل أبو بلوفر، تم التغاضي نسبياً عن مطلب حل الجهاز، إلى أن شوهدت المستندات يجري نقلها من مقر الجهاز الرئيسي بالإسكندرية بشارع الفراعنة، وذلك يوم الخميس 3 مارس عقب استقالة الفريق أحمد شفيق يا راجل..
خرج مئات الآلاف من أبناء الإسكندرية يحتفلون بإقالة شفيق بعد صلاة الجمعة في مسجد القائد إبراهيم، ويؤكدون على مطلب حل جهاز مباحث أمن الدولة والإفراج عن المعتقلين. في الوقت ذاته توجه عشرات إلى مقر الجهاز بشارع الفراعنة بحي كوم الدكة في مظاهرة سلمية بسيطة..
بسبب مكابرة جهاز أمن الدولة وغبائهم - الذي لا يحسدون عليه - تم تخفيف حماية المقر بالقوات المسلحة، وتم تحصين المقر بأربع عربات للأمن المركزي مع حماية بسيطة من المدرعات على مداخل الشوارع المؤدية إليه..
كان المتظاهرون - الذين لم يزد عددهم عن العشرات - مقسمين على مدخلين في غاية السلمية، ولم يفعلوا شيئاً سوى الهتاف، وفي النهاية أعلنوا نيتهم للاعتصام المفتوح حتى يتم حل الجهاز. وأثناء كل هذه الفترة كان الدخان يتصاعد بكثافة من سطح المقر بسبب قيام الضباط بحرق الأوراق والمستندات..
بعد إعلان الاعتصام، بدأ الأمن المركزي بإطلاق الغاز المسيل للدموع، وإلقاء قنابل المولوتوف على المتظاهرين. سقطت بعض عبوات المولوتوف على السيارات الخاصة فأحرقتها، وأصيب بعض المتظاهرين بحروق واختناقات، وتم نقل المصابين للمستشفيات العامة والخاصة المحيطة..
تحذير: الفيديو به ألفاظ نابية وجارحة
مقطع فيديو يصور إلقاء عناصر أمن الدولة المولوتوف على المتظاهرين والجيش - رفعه على يوتيوب AbdelSalam01)
رد المتظاهرون على المولوتوف والغاز المسيل بقذف الحجارة، فشرع ضباط أمن الدولة وأفراد الجهاز بإطلاق الرصاص الحي فأصيب ما بين 4 و6 متظاهرين في أكتافهم وبطونهم وأرجلهم، كما أصيب جندي بالقوات المسلحة (وهناك أنباء عن استشهاده)..
وقتها ثار المتظاهرون بشدة، وانضم إليهم المئات من أبناء الإسكندرية وأحكموا الحصار وكثفوا من إطلاق الحجارة. استسلمت قوات الأمن المركزي وخرجوا رافعين أيديهم، وسلموا أسلحتهم للأهالي، الذين قاموا بدورهم بتسليمها للجيش..
لم يبقَ سوى ضباط الجهاز وأمناء الشرطة والأفراد والمجندون داخل مقر الجهاز، وتزايد المتظاهرون حتى صاروا ألوفاً لم تستطع قوات المشاة ولا الشرطة العسكرية ولا حتى التعزيزات من الصاعقة التحكم فيهم..
اقتحم المتظاهرون مقر الجهاز وسط إطلاق رصاص حي من عشرات الضباط والأفراد المتحصنين داخله، فهجموا عليهم وأوسعوهم ضرباً دامياً وسلموهم للجيش. في هذه الأثناء هرع الصحفيون مع كثير من الناشطين والمتظاهرين العاديين إلى ما تبقى من أوراق وملفات لم تكن نقلت أو حرقت أو فرمت ليبحثوا عن الكنوز الوثائقية، فلم يعثروا إلا على القليل..
فكك بعضهم الأقراص الصلبة "الهارديسك" من أجهزة الضباط، وحصل الآخرون على بعض الملفات، ولكن الشرطة العسكرية صادرت معظم ما عثر عليه المتظاهرون والصحفيون من بقايا الوثائق..
بقي 6 ضباط محاصرين داخل مكتب حصين تحميه قوات الجيش، وحاولت قيادات الجيش كثيراً التفاهم مع الجماهير الغاضبة لكن دون جدوى. وبعد طول هرج ومرج، استطاع المتظاهرون أن يكسروا نافذة الغرفة الأخيرة وأن يفتحوها، وبدأوا بقذف الحجارة داخلها. وفي الوقت الذي أطفأ فيه ضباط أمن الدولة المصابيح تخفياً من الجماهير، حاول أحد أفراد القوات المسلحة أن يغلق الشباك لكن المتظاهرين ثاروا بالهتاف الرافض لتأمين الضباط..
في النهاية، اضطرت آخر دفعة من الضباط للخروج وسط حماية الجيش، التي لم تكن كافية لصد هجوم العشرات على كل ضابط منهم..
خلاصة ما رأيت
- لم يخرج أي منتسب لمباحث أمن الدولة على قدميه، بل لا أستبعد أن يكون أحدهم أو بعضهم قد قتلوا من الضرب العنيف.
- الكثير من الجماهير، وخاصة السلفيين، سجدوا شكراً لله على ما حدث للجهاز الذي عذبهم وعذب ذويهم واعتدى على حقوق كافة المصريين بأبشع الطرق والوسائل.
- أكثر من كان يحاول تهدئة الثائرين ويذكرهم بالعفو عند المقدرة هم المتدينون، ومنهم السلفيون، الذين ساعدوا الجيش في تطويق مدخل المقر، بل أحياناً حاولوا تخليص الضباط من بطش الغاضبين، ولم يفلحوا بكل تأكيد.
- شارك في الضرب معتقلون سابقون وناشطون سياسيون وكثير من الأهالي ومتظاهرو اليوم فقط وبعض العاملين في وظائف مرموقة ممن كان الجهاز يستدعيهم ويمارس ضغوطه عليهم ويهينهم..
أنا شخصياً لم أشارك في الضرب، وكان رأيي أني لم أضرب في هذا الجهاز من قبل، وأن هناك من هو أولى مني بالمشاركة في تأديب أولئك المجرمين.
- هناك من تعاطف معهم وحاول أن يدعو الناس للاكتفاء بتسليمهم للجيش، ولكنه كان يواجه بتذكيره بالدماء التي سفكوها والأعراض التي انتهكوها والحقوق التي سلبوها والأبرياء الذين دمروا حياتهم..
- كل من قابلته كان يهنئني وأهنئه .. فهو بالفعل يوم نصر على ظلم واسترداد حق وكرامة
أخيراً، لا يمكنني أن أغفل صبر القوات المسلحة وحكمتها الشديدة في التعامل مع الموقف، والأهم من هذا اهتمام كل ضباط الجيش بالحوار الراقي مع المتظاهرين دون استعلاء عليهم ولا الغضب منهم
أحد الضباط قال: الشرطة قوامها 1.5 مليون وأنتم أنهكتموهم، أما نحن (الجيش) فثلث عددهم، كيف تظنون حالتنا؟
اسرائيل ترسل طائرة لنقل ابناءها من امن الدولة بالاسكندرية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق