الإخوان المفصولين بقلم ياسر حسن


فرد بين إصبعين..وجماعة بين إثنتين!

بقلم:ياسر حسن

أحياناً ينظر الفرد منا إلى نصف الكوب الغير ممتلئ ، فى عينيه تأملاً لهذا الفراغ ، شاكيا وباكياً لما هو فارغ ولما لا يمتلئ ،ويحّدث عقله الباطن.. أن أحداً من الأخريين لم يقولوا له ، معك حق نحن نطالب أن نملئه حتى النهاية، لكنه يفشل بعد أن يأس أنه لا يستطيع..وإذا كنا نواجه تلك الا يام إبتلاءاً شديداً بين تارة الهجوم وبين تارة الإنفصال ..أجد ملهماً يدنوا منى قليلاً ويحدثنى، لا تقلق، ثم يدنوا منى ويقول، ثق أن خطاك مستقيم..شرط أن تتشبس به ولا تحيد..عجباً للنفس من هذا الهوى الذى يخطف القلوب..وعجباً لمن تزيغ نفسه عن الملذات الدنيوية ولا يستمر فى دعوة الله الحق ولو كلف الأمر رقاباً ورقابا..إن حزنى اليوم شديد ..ليس لحاجه غير ..أننا مازلنا نبحث عن اللؤلؤ ولم نجده.
لقد ارشدنا الإمام حسن البنا فى رسائله عن معنى واضح جلى ،معنى يصف نفسه بنفسه، معنى لزم أن نأخذ به تلك الأيام.يقول الاستاذ البنا رحمه الله "وأريد بالثبات: أن يظل الأخُ عاملاً مجاهدًا في سبيل غايته؛ مهما بعدت المدة، وتطاولت السنوات والأعوام؛ حتى يلقى الله على ذلك، وقد فاز بإحدى الحسنيين، فإما الغاية، وإما الشهادة في النهاية ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾ (الأحزاب)، والوقت عندنا جزءٌ من العلاج، والطريقُ طويلةُ المدى، بعيدةُ المراحل، كثيرةُ العقبات، ولكنها وَحْدَها التي تؤدي إلى المقصود مع عظيم الأجر وجميل المثوبة". إنه الفهم الدقيق لحقيقة الرسالة التي نؤمن بها، وندعو إليها، ولطبيعة الطريق الذي أسعدنا الله بالسير فيه خلف نبيه صلى الله عليه وسلم.
فقد يحزن أخ منا بعدما تعلق بالدكتور ابراهيم الزعفرانى أن يراه يمضى إلى حال سبيله باحثاً عن جديد يناسبه بعيداً عن طوق الإخوان ، أو يرى الدكتور محمد السيد حبيب وقد إعتزل الإخوان راضيا بما بذله طوال مدة حياته الدعوية ..لايرضى ان يقومه أحد أن يعتلى أحداً منصبه .. اويلقى الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح وقد خرج عن المبدأ الذى إتخذته الجماعة فى امر من أمور المستقبل السياسى لمصر ، أو حتى متعلقاً بالنائب مجدى عاشور أحد من قدم خدمةٌ لدائرته وتراه بين هذا وذاك لا يفهم ماذا يدور حوله ولا يعلم إلى أى شئ سينتهى هو..هل مصيره مثل هؤلاء.
ويقول المرشد السابق مهدى عاكف إنَّ إيمانَنا برسالتِنا رسالةِ الحق والخير والنور، وثباتَنا على مبادئِنا المستمدةِ من دينِنا دينِ الحق، وتمسّكَنا بمنهجِنا وطريقِنا الذي رضيَه اللهُ لنا؛ كل ذلك هو الذي يعطينا القوةَ أمامَ خصومِ دعوتِنا، فلا نكوصَ ولا تذبذبَ ولا زعزعةَ؛ بل شموخ وثبات، فدعوتنا الطيبة كالشجرة الطيبة ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ (إبراهيم: من الآية 24)، جذورُها لا تزداد على المكائد إلا ثباتًا ورسوخًا، وساقُها لا تزداد على الابتلاءات إلا قوةً وسُمُوقًا، وأغصانُها لا تزداد على كثرة الرمي إلا إنباتًا وإثمارًا، فهي ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ (إبراهيم: من الآية 25).
لقد مر على الإخوان أكثر مما نشهده تلك الأيام بعد سجن الإخوان فى عهد عبد الناصر وظنوا أن دعوتهم قد فنيت وأنتهت ..لكن بعدما خرجوا وجدوا توسعاً فى الشعب وأعداداً غفيرة من الشعب ينتمى لفكرة الإخوان وكأن لسان حالهم لو أننا أطلنا مدتنا قليلاً لزادت تلك الأعداد.

مواقف
كان ذلك في مؤتمر الطلاب للإخوان المسلمين الذي انعقد بدار جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة عام 1938 حين وقف حسن البنا يخطب إذ تحمس أحد الأخوة من الطلاب فهتف بحياة حسن البنا – ومع أنه لم يردد الحاضرون هذا الهتاف – إلا أن فضيلته وقف صامتا لا يتحرك برهة ، فاتجهت إليه الأنظار في تطلع .. ثم بدأ حديثه في غضب فقال :
أيها الإخوان إن اليوم الذي يهتف في دعوتنا بأشخاص لن يكون ولن يأتي أبدا ، إن دعوتنا إسلامية قامت علي عقيدة التوحيد ، فلن تحيد عنها . أيها الإخوان لا تنسوا في غمرة الحماس الأصول التي آمنا وهتفنا بها ( الرسول قدوتنا ) ( إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )
وبهذا الموقف وضع الإمام الشهيد شباب الدعوة أمام صورة حية للمحافظة علي جوهر الدعوة والاستمساك بها وعدم التعلق بأشخاص مهما تكن مراكزهم في سيرة العمل الإسلامي . وفي مدينة رشيد أقام الإخوان حفلا بمناسبة ذكري الإسراء والمعراج علي صاحبهما أفضل الصلاة والسلام . وحين جاء أحد المتكلمين في الحفل وقد كان من المتحمسين لنشر دعوة الإخوان ، قام متحدثا إلي الناس فقال : إن مثلنا الآن من فضيلة الأستاذ المرشد وهو يشير إليه ، كمثل رسول الله صلي الله عليه وسلم بين أصحابه ، وما كاد الأستاذ المتحدث ينتهي من هذه العبارة حتى قفز الإمام الشهيد إلي المنصة ثم اتجه إلي الناس قائلا :
أيها الأخوة معذرة إذا كان الأستاذ المتحدث قد خانه التعبير ، فأين نحن من رسول الله صلي الله عليه وسلم . ثم نزل إلي مكانه ولم يستطع الأستاذ المتحدث إكمال الحديث كما بدأه .
وفي اليوم التالي انقطع اتصاله بالإخوان في الإسكندرية وبعد مدة أعلن عن تكوين جمعية التقوى والإرشاد !
لم يكن في استطاعة " البنا " السكون علي هذه التصرفات .. ذلك أنها كانت تمس الأصل الكبير الذي قامت عليه دعوته وجماعته ، فقام ليعذر إلي الله في التو واللحظة ويقطع مسلكا من مسالك الانحراف في طريق الدعوة وأساسها الرباني . فهو الذي علم الإخوان أن لا يهتفوا باسم أحد إلا الله ، ولا يعظموا شخصا ولا يحيوا إنسانا ، إنما تحيتهم لله سبحانه وتعالي .. تحيتهم هتاف لله وحده.
هذا ما صنعه الأستاذ لتلاميذه..رباهم على حب الدعوة ولم يربهم على حب أفراد الدعوة..لذا فقد إستمرت دعوة الإخوان حتى وقتنا هذا نحيا بها ونموت عليها ..خالصين وجوهنا لله الواحد الأحد.

بين إصبعين

جاء في حديث أبي هريرة: [إنَّ قلوبَ بني ءادم كُلَّها بين إصبعين من أصابع الرحمن كَقَلبٍ واحد] رواه مسلم ..أي عنده هذه القلوب كلّها كقلبٍ واحدٍ معناه لا يَصعُبُ عليهِ أن تكونَ .. وفي لفظٍ: [إنّ قلبَ ابن ءادَمَ بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامَهُ وإن شاءَ أزاغَهُ].. ثم يقول [اللهم مُصَرِّفَ القلوب صَرِّفْ قلوبنا على طاعتك]
وفي لفظٍ عند البيهقيّ: [صرِّفْ قلوبَنا إلى طاعتك]
الأن إختر لنفسك منهجا.سر عليه ولكن تذكر أن كان قصدى من هذا الحديث قد يوجس عند البعض خيفة اننا إذا لم نكن مع الإخوان فلن نكون على الحق فهو مخطئ..فليس معنى الخروج أن يكون توجهك إلى غير الله..فالكل مسئول يوم القيامة عما أحدث وما صنع وفيما بدل..يكفى أننا فى نهاية الأمر جماعة والتى قد تختلف بالطبع عن الفرد.

ليست هناك تعليقات: