رمضان السوري ''أحمر اللون''.. فرحة خجولة وتحدٍ جديد
دمشق – (د ب أ) لعل أولى الانطباعات التي يخرج بها أي زائر لأسواق رمضان السوري هذا العام انه لا يشبه ''رمضان السوري التقليدي الذي يمتاز بالبهجة والأفراح وعمل الخير والطقوس الشعبية الشهيرة وتنوع الأطعمة والحلويات والدفء العائلي والذهاب إلى الصلاة والأسواق و ممارسة الشعائر الدينية..''، بحسب توصيف أبو عبدو الحلواني الذي يقف أمام طاولات كبيرة امتدت على مساحات واسعة من سوق الحي الشعبي الذي لا يهدأ صخب مطالبيه بالحرية والكرامة في بلاد ''الحزب القائد الواحد''.
يضيف ''أبو عبدو الميداني''، كما يقدم نفسه، وهو يرتدي زيه التقليدي، ربما هذه الأيام ينطبق القول الشهير (بأي حال عدت يا عيد)، ورغم أنني لا أعمل في السياسية أو أزعم فهمها إلا أنني أعرف إن السوريين يحاولون انتزاع حقوقهم المدنية، أنا أتفهم لماذا حركة الأسواق فاترة، الكثير من العائلات يعيشون حزنهم على فقدان بعضا من أحبتهم، الذين قضوا نحبهم في تظاهرات ضد السلطات المحلية، وآخرون يتضامنون معهم، والبعض الآخر شحت إمكاناته المادية بفعل تراجع حركة العمل والأسواق، الاقتصاد متعب في كثير من جوانبه في بلدنا، فضلا عن تفاقم أرقام البطالة، وغياب السياح أو المغتربين، الكل قلق ولديه خوف، لكن أجمل ما في هذه الأيام أن الجميع أصبح لديه الأمل في المستقبل.
تراجع مظاهر الاحتفال والبهجة في ''رمضان السوري'' لا تلغي ان هناك شرائح اجتماعية وإن كانت قليلة مقارنة بعدد السكان تذهب إلى طقوس رمضان الاعتيادية مثل الإفطار والسحور في المطاعم أو لدى الأصحاب والأقارب.
وتماشيا مع هذه الأجواء كتب مصطفى السيد، أحد الإعلاميين السوريين المعروفين على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي ''فيسبوك''، قائلا :''كل عام أنتم وأحبتكم بألف خير، كل عام وأنتم بخير أعاد الله عليكم رمضان بالخير والبركة، وباعتبار أن رمضان جاء هذا العام بلون الدم اسأل ضمائرنا كم حسينا قتلنا في العصفورية خلال الشهور الماضية، النداء الأخير لعقلاء سورية.. إن لم نوقف القتل.. من الصعب أن تستمر حياة في سورية.. لنرفع الصوت عاليا لوقف القتل لأنه سيقتل مراجيح العيد''.
هكذا يختزل الزميل السيد تصوره لوضع رمضان السوري هذا العيد وكأنه يقول إن ''مراجيح الأطفال في هذا العيد سوف لن تدور او تتحرك، إذا بقيت آلة القتل دائرة على مساحة الشعب السوري.
تقول هدى المحمودي، وهي ربة منزل، ''إن اللقاءات الأسرية تكتسب في رمضان هذا العام أهمية خاصة، بصراحة كل الحديث قبل وبعد الإفطار يتركز على مجريات الأحداث السورية وآخر التطورات، أعتقد أن الناس هذه الأيام بحاجة لبعضها البعض أكثر، كلنا نتناقل المعلومات وننخرط في النقاش عن أوضاعنا، لا يمكن لأي منا البقاء خارج دائرة الاهتمام العام أنه وطننا الغالي، هنا عيشنا ومستقبلنا، ولن نكون خارجه، رمضان يزيدنا تصميما على الانخراط في كل ما يجري من حولنا، هذه فرصة تاريخية علينا استثمارها''.
تضيف المحمودي كل منا يسهم بجهوده، تقنيا ،ماليا ،لوجستيا، اجتماعيا، ميدانيا..، الخوف ولى إلى غير رجعة، مهما حاولوا، سورية اليوم لن تعود إلى الوراء، حزب اللون الواحد ليس خيارنا (البعث)، وفرضه بالقوة لم يعد ممكنا.
مع إطلالة الأيام الأولى ''لشهر المغفرة والرحمة '' تزايد سيلان اللون الأحمر في الشوارع، معظم المحافظات السورية عاشت أحداثا أليمة، عمليات الدهم وحملات الاعتقال، لم تتوقف بحسب نشطاء المجتمع المدني، وسقوط مئات القتلى في الموجهات لن يذهب هباء، كما يقولون.
الدعوات للاعتصامات والتظاهرة، على صفحات التواصل الاجتماعي تتزايد يوميا برغم المحاولات الرسمية، إضعاف شبكةالإنترنت أو قطعها أحيانا. بالمقابل ''مسيرات الموالاة، لم تتوقف خلال شهر رمضان، كلا الطرفين سلطة ومعارضة لديهم الآن جمهور شبه منظم''، على ما يقول حسن، أحد منظمي مسيرات السلطة.
أم محمد التي ثكلت بابنها وهو لم يتعدى عقده الثالث، تبدو شاحبة، وزائغة النظر كمن يبحث عن أغلى ما يملك وأضاعه لحظة، تجمدت عيون المرأة الستينية فجأة، وقفت والإصرار والعزيمة باديان على محياها، أقسم بهذا الشهر الفضيل، وكما عاهدتك يا بني أن دمك لن يذهب هدرا، ولأني سيدة متعلمة وأخاف الله، سوف لن ادخر جهدا، من أجللك وأجل رفاقك الذين ضحوا من أجل الحرية والكرامة لأبناء سورية.
موجة الحر الشديد التي تضرب البلاد زادت ''الطين بلة'' درجات الحرارة تجاوزت معدلاتها الاعتيادية في مثل هذه الأيام من كل عام، ووصلت أحيانا إلى أكثر من 50 درجة مئوية، الصيام في هذه الظروف المناخية القاسية يصبح صعبا أكثر.
يقول رضوان وهو موظف متوسط الحال، درجات الحرارة العالية أعاقت الكثير من الأنشطة، انقطاع التيار الكهربائي أحيانا يزيد الأمر سوء، يصعب على المرء الصائم التحرك وسط هذه الظروف المناخية ذات الحرارة العالية، يضيف المهندس الذي كان يشتري حاجياته من سوق الشعلان بدمشق ،المعروف بسوق ''التنابل'' (يسمى كذلك لأن المواد الغذائية فيه كلها جاهزة لا تحتاج إلى جهد لتحضيرها).
يضيف نحاول انجاز المهام الضرورية في النهار، ونؤجل الكثير من التحركات إلى الليل، لم نعتد على هذه الحرارة العالية في بلادنا، لكن بالتأكيد الحياة لن تتوقف، الناس تحاول التكيف مع كل المستجدات، وهذا حالنا مع الأوضاع والأحداث الجارية، الناس تظهر عزيمة وإرادة.
يرى أبو سمير كنفاني الذي يعمل كسائق تاكسي أن الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعيشها الناس كانت أحد الأسباب التي حرضتهم على التمرد على أوضاعهم الصعبة فضلا عن أوضاع أخرى.
يقول كنفاني ''مهنتي مثلا تواجه ضعفا في إيجاد زبائن لها موسم السياحة والاصطياف لهذا العام ناله الضرر، والشلل يكاد يكون شبه كاملا، في بعض الأيام على سبيل المثال لا أستطع جني ربع ما كنت أحققه في الأيام العادية، هناك العديد من الأماكن ليس بمقدورنا الوصول إليها، نسأل الزبائن قبل إن يصعدوا السيارة إلى أين هي وجهتهم الأوضاع تزداد صعوبة.
ومنذ بداية شهر رمضان انتشرت العروض والتنزيلات التي قدمتها المحال التجارية والمطاعم والفنادق والمنتجعات السياحية لزبائنها، في محاولة لاستقطاب الناس، لكن دون جدوى السوريين هذه الأيام لديهم أولويات.
ينزوي حمزة في إحدى زوايا مقاهي العولمة منكبا على كومبيوتره المحمول باحثا على فرصة عمل، ثم يكرر عدة اتصالات مع أصحابه، ''لقد أصبحت بلا عمل أريد مساعدتكم في أي وظيفة، سأنضم إلى التظاهرات لم يعد لدي ما أخشاه، حتى خطيبتي سمر تتفهم وضعي، الشركة سرحت أكثر من 30 بالمائة من موظفيها، لأن أعمالها تتراجع''.
تقول ضحى، لقد سافر سامر إلى الخارج، نحن زوجين شابين، طالبنا بالحرية، اعتقلنا، ثم خرجنا، هذا العام لم نعش أجواء الأسرة الرمضانية، نحن بعيدين اليوم بفعل المطالبة بحقوقنا، نريد المستقبل، نحن علمانيين، زوجي وأنا، لكن الأجواء الأسرية في رمضان كانت طقوس اجتماعية جميلة سنفتقدها هذا الشهر، أصدقاء لنا إياد وعلا ليسا علمانيين وهما ينتميان إلى بيئة إسلامية محافظة، هما خطيبين، حصل لهما أيضا أن أوقفهم ''السجان''.
الناس جميعا من مختلف الاتجاهات والشرائح يريدون العيد عيدين في نهاية ''رمضان السوري'' هذا العام، لكن الأحلام المحقة ليس بالضرورة أن تتحقق دوما بأقل الأثمان أو أسرع الأوقات، الخشية هي اليوم أن يتأخر مدفع رمضان الحقيقي، فتصدع أدمغتنا، مدافع أخرى، لا نريدها، هكذا تقول ضحى.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق