الانترنت الذى خوف الحكام العرب



مجموعة من الشباب الصامتين يسيرون ليلاً دون شعارات أو دموع، هكذا جاءت الصور الأولى من تونس بعدما أمعن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في التعتيم الإعلامي في محاول لإخماد نار الثورة في بدايتها، كان المشهد غريباً ومهيباً انتشر عبر موقع اليوتيوب الذي أضحى أرشيفاً حياً للعالم بأكمله بفنونه وتاريخه وأحداثه المختلفة، بل وشاهداً على عبقرية البشر وجمالهم من جهة وعلى بشاعة بعضهم ووحشيتهم من جهة أخرى. في التجربة التونسية، كانت الانطلاقة من الـ«يوتيوب» الذي نقل الاحتجاجات وصار بديلاً لأكبر الشبكات الإعلامية بعد عجزها عن تغطية أحداث الأيام الأولى للثورة، ما دفع النظام التونسي إلى حجب الموقع في تصرف ساذج ناسياً أن كل ممنوع بات متاحاً ولو بشكل غير مباشر مع تعاظم تأثير التكنولوجيا، ولجأ بعض مستخدمي الإنترنت في تونس إلى مواقع تقوم بالبث المباشر بينها موقع «Bambuster» وهو ما استغله بعض القنوات الفضائية لبث الأحداث من قلب الشارع التونسي. العامل الأكثر تأثيراً في صناعة الثورة التونسية وتنظيمها كان من خلال شبكتي «فيس بوك» و«تويتر» فقد تحولت الشبكات الاجتماعية إلى أداة لتقديم الأخبار عن كل ما يحدث في الشارع وتوفير مقاطع فيديو وصور تدلل عليها وبالتالي كانت الشبكات الاجتماعية حلقة وصل بين تونس والعالم، وكان للشباب العربي موقف لا ينسى في هذه الأحداث من خلال ترجمة الأخبار إلى لغات أخرى اعتمد عليها الكثير من الشبكات الإعلامية كخيوط تستدل بها إلى الحقيقة. كذلك؛ فإن التجربة المصرية لا تختلف كثيراً في استخدامها للإنترنت كبديل إعلامي ناجح بل ربما تعززت أكثر، إلا أن الاختلاف في أن الثورة التونسية بدأت باستشهاد البوعزيزي وزيادة حالات الانتحار حرقاً ومن ثم الجنازات والمظاهرات التي قابلها النظام التونسي باعطاء اللون الأخضر للقناصة لتصفية الشعب قبل أن يقوم الشارع بالإطاحة بالنظام نهاية المطاف.وإذا كان سقف المطالب التونسية ارتفع بشكل تدريجي خلال المظاهرات بسبب العنف الممارس ضد المتظاهرين، فإن التجربة المصرية اختلفت في كونها تحركت مع سبق الإصرار على مطلب اسقاط النظام وعلى رأسه حسني مبارك. هذه النية تكشفت من خلال التجمعات المختلفة التي دعت للثورة عبر الإنترنت، فمثلما نجحت إسراء عبد الفتاح في كسب تفاعل الشارع المصري بما يعرف بـ «إضراب عمال المحلة»، استطاع وائل غنيم من خلال مجموعة «كلنا خالد سعيد» أن يحدد يوم 25 يناير لبدء المظاهرات المصرية ليتحول «شهيد الطوارئ» خالد سعيد إلى أيقونة للثورة ضد طغيان النظام البوليسي في مصر الذي قتل شاباً من خلال التعذيب. وائل غنيم بدوره تم اعتقاله بعد أيام من انطلاق المظاهرات وهو ما أدى إلى كشف البعض عن هويته باعتباره مدير مجموعة «كلنا خالد سعيد» على الـ «فيس بوك» وهو أيضاً المدير التسويقي لشركة «غوغل» في مصر. حينما خرج غنيم من السجن أجرى الكثير من اللقاءات وكانت دموعه في برنامج «العاشرة مساء» مع منى الشاذلي مؤثرة على الشارع المصري الذي تعاطف معه وخرج إلى الشارع بأعداد أكبر بعدما تأثر البعض بانكسار الرئيس السابق الواضح في خطابه الأول كطريقة لاستدرار الرحمة.انقسم دور الشبكات الاجتماعية في مصر إلى نصفين فكان الـ «فيس بوك» مكرساً للأخبار والأحداث المتتالية باللغة العربية بشكل أكبر، كما أن العملية تجري بشكل أقل تنظيماً من «تويتر» الذي يملك ميكانيكية سهلة تجعل من عملية تتبع الأخبار سهلة وسلسة. أما «تويتر» كان له دور أكبر من حيث التأثير على الإعلامين العالمي والغربي على الأخص من خلال مجموعة من المدونين من بينهم وائل عباس وعلاء سيف ومنى سيف ووائل خليل ورامي رؤوف وغيرهم، كما برز دور الشباب العربي مرة أخرى وبعض الأجانب أيضاً في ترجمة الأخبار إلى لغات مختلفة مزودة بصور ومقاطع وفيديو ووثائق مهمة في بعض الأحيان. ومن بين هؤلاء المشاركين في الترجمة، التقينا عبر «تويتر» بشاب صيني يختار «leciel95» لقباً له حيث قام هذا الشاب بترجمة كل ما يكتب عن الأحداث المصرية باللغة الإنكليزية إلى اللغة الصينية بعدما منعت السلطات الصينية وسائلها الإعلامية من التطرق للثورة المصرية بأي شكل من الأشكال. يقول «ليسيل» إنه يريد لشعبه أن «يجد الوحي في المظاهرات السلمية للشباب المصري عسى أن تكون دافعاً للتغيير» في بلاده. كما يستمر «ليسيل» في عمله حتى بعد سقوط حسني مبارك ولكن من خلال متابعة الأحداث القائمة في بقية دول المنطقة. وتعيش حالياً دول أخرى في المنطقة حالة ثورية تستخدم الشبكات الاجتماعية كعربات للنجاح وكشف الحقيقة للعالم ومن بين هذه الدول ليبيا واليمن والبحرين وإيران والجزائر والمغرب، وفي بعض الدول مثل اليمن نجد بشكل واضح كيف أن الجهل بالتكنولوجيا يكرس التعتيم الإعلامي لذلك، فإن الدراية بالأحداث اليمنية تعتمد على ما تنقله وسائل الإعلام الشهيرة والناشطين اليمنيين الشباب لتزويد العالم بما يحصل ولكن بشكل متأخر قليلاً. أما في ليبيا نجد أن المعارضة التي يتركز أغلبهم في بريطانيا يقومون بدور كبير من خلال الاتصال بمن يعرفونهم بالداخل للحصول على معلومات ونشرها عبر الشبكات الاجتماعية و القنوات التلفزيونية بما يمتلكونه للكشف عن جرائم النظام الحالية، وبالتالي كان من المتوقع من القذافي أن يحجب خدمة الرسائل القصيرة والشبكات الاجتماعية والإنترنت بشكل عام. أما في البحرين، فالأغلبية تمتلك دراية عميقة بالإنترنت واستخدموا كل المواقع التي يتم حجبها واحداً تلو الأخرى وهو أمر من السهل التمرد من خلال وسائل مختلفة، هذا بالإضافة إلى تواجد وجوه إعلامية مهمة لتغطية الأحداث البحرينية من بينهم الكاتب الأميركي الشهير نيكولاس كريستوف الذي يستخدم «تويتر» لكتابة التطورات ويكتب لجريدة النيويورك تايمز عن الصراع القائم بين المتظاهرين والسلطة. كل هذه النماذج الثورية جعلت من الانترنت سماء مشتركة تجمع مختلف الأطياف تحتها وتسمح للجميع بنقل الحقيقة والواقع، لذلك شاهدنا الكثير من العبارات التي أشارت إلى دور الشبكات الاجتماعية مثل قول المتظاهرين المصريين إن «على كل ظالم... فيس بوك»، أو مراحل نجاح الثورة بقولهم: «في الأول اطلاق البلطجية ثم حرب الجمال فمنع الإنترنت ومن بعدها الكنتاكي والأجندات مع ثلاثة خطابات تكللت أخيراً بالتنحي!».

ليست هناك تعليقات: