محسن محيي الدين : التدين ليس معناه أن يهجر الإنسان الحياة .. وتعرضت لأزمة مالية استمرت 8 سنوات



محسن محيي الدين : التدين ليس معناه أن يهجر الإنسان الحياة .. وتعرضت لأزمة مالية استمرت 8 سنوات



المحنة في إجراء حوار مع محسن محيي الدين تكمن في شيء واحد.. وهو كيف يدار معه الحوار وهو المبتعد عن دنيا الفن بكل أضوائها القريبة والبعيدة منذ عشرين عاما.. تحتار من أين تبدأ وإلي أي طريق تنتهي .. لم يدفعني الذهاب إليه إلا أمران.. الأول هو أنه كان فنانا مختلفا وطريق العالمية كان مفتوحا أمامه بلا حدود.. والثاني وهو الأهم لماذا فضل الانسحاب والابتعاد مثل الشمس عندما تنسحب من كبد السماء..؟ ومن أين اكتسب فلسفة التخلي عن الأشياء في زمن يتقاتل فيه الناس علي الأشياء. حضوره في الحقيقة لا يختلف عن حضوره أمام الكاميرا.. يتكلم عن مشواره في الحياه بتواضع شديد ويحترم من اختلف معهم.. ويرفض التجريح أو الظهور في مشهد الواعظ.. لديه من الخجل رصيد يدفعه إلي الهروب من الكاميرات.. ويعتقد أن الفن ليس حراما مطلقا وأن "التدين" لا يعني أن يهجر الإنسان الحياة!! .. وإلي نص الحوار: نجحت في العبور إلي الناس كممثل له أداء وشكل مختلف وفي غمضة عين قررت الانسحاب والاختفاء.. ما السبب وراء هذا القرار الذي مر عليه عشرون عاما؟ - لا يوجد سبب معين حتى أعترف به.. أدركت بفضل الله سبحانه وتعالي أنني في حاجة ماسة لمراجعة أفكاري وتدبر أمري.. لذا انسحبت ولم يكن انسحابي كما تردد هروبا من أي شيء.. كنت أشعر بأنني مقصر فقررت أن أتعلم وأن أقترب من تعاليم الدين الإسلامي.. أخذت أقرأ وأسأل عن أي أمر أعجز عن تفسيره والحمد لله أنا في حال طيب جدا ولم أخسر أي شيء.. يعني تقدر تقول قررت التخلي عن حب نفسي وأن أمشي على ترتيب الله الذي منحنا نعما لا تعد ولا تحصي. ألا ترى معي أن هذا القرار كان أشبه بمغامرة محفوفة بالمخاطر؟ - إطلاقا .. لم يكن في هذا القرار مغامرة أو مخاطرة .. الله سبحانه وتعالي يقول في كتابه العزيز: "إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" ومعنى ذلك أنك مطالب بإتمام البيعة وهذا لن يحدث إلا بالسير علي ترتيب الله وأن تتخلي عن حب النفس وهو الجهاد الأكبر. كلامك لا يحمل إلا معنى واحدا وهو أنك اكتشفت أن الفن حرام وعليك أن تهجر هذا العالم الذي لا يتلاءم أو يتفق مع تحولك الجديد.. صح أم خطأ؟ - بصراحة أدركت أنني أقف في المكان الخطأ.. ويجب تصحيح المسار وهذا لا يعني أنني اكتشفت أن الفن حرام ولذا يلزم الإقلاع عنه، الإنسان هو الذي يحلل ويحرم وهذا خطأ كبير فهناك تعاليم وقواعد يجب علينا اتباعها حتى لا نسقط في أشياء تفقدنا الدنيا والآخرة. عفوا أنا أريد إجابة محددة.. ما رأيك في العمل بالفن وهل انسحبت منه لأنه حرام كما يرى فريق كبير من علماء الدين؟ - الفن ليس حراما مطلقا.. الشيخ الشعراوي له رأي عظيم في هذا الشأن فهو يقول عن الفن "حلاله حلال .. وحرامه حرام" فالفن الذي يشجع علي شرب المخدرات أو ممارسة الرذيلة فن مرفوض تماما.. أما الفن الذي يبني العقل ويشجع على تعزيز القيم مقبول ويجب أن نتمسك به مهما كانت الظروف والضغوط.. هناك فريق يعتبر الفن تسلية ويحرص هذا الفريق على تقديم أعمال هدفها الترفيه عن الناس فقط دون النظر إلى تأثير ذلك على أخلاقهم أو طباعهم.. وهناك فريق ثان يعتبر الفن رسالة مهمة ويجتهد من أجل صناعة أعمال مفيدة للمتلقي وأنا أميل إلى الفريق الثاني طبعا. إذا كنت ترى الفن رسالة فعلا.. لماذا فضلت الهروب والاختفاء، كان عليك أن تناضل من أجل الدفاع عن قناعاتك؟ - من قال إنني فضلت الهروب.. أنا حاولت الاستمرار بالشكل الذي أحبه والذي يجعلني راضيا عن نفسي ولكني تعرضت لحرب غريبة جدا.. هل تعلم أنني تقدمت إلى الرقابة على المصنفات الفنية بفيلم عن انتفاضة فلسطين وكنت مستعدا لإنتاجه وإخراجه لكني فوجئت برفض مشروع الفيلم.. هل تعلم أنني قمت بتسجيل أكثر من برنامج ديني ورفض التليفزيون المصري إذاعته.. ورغم ذلك لم أستسلم ولجأت للعمل في مسلسلات الكرتون لتعليم الأطفال شئون وتعاليم دينهم وكان ذلك في قنوات خاصة وعندما علم أحد مسئولي التليفزيون، استدعاني وفرحت بأنني سوف أعمل في تليفزيون بلدي.. لكن المؤلف رفض أفكاري وقال لي بالحرف الواحد.. سيبك من أفكارك دي .. احنا عايزين حاجة نبسط بيها الأطفال.. يعني حاجة تنفع "سوسو" و"لولو" اندهشت جدا من هذا وخرجت من مكتب المسئول الكبير، وقررت عدم العودة إليه مرة ثانية.. باختصار: أنا لم أهرب وحاولت النضال والاستمرار لكن الضغوط كانت أكبر من حدود تحملي. وما هو المنهج الذي كنت تنوي اتباعه لو سمحت لك الظروف بالاستمرار في الإنتاج والإخراج؟ - كنت بكل تأكيد أقدم أعمالا تتفق مع حدود الله ولن أطبق نظرية "الجمهور عاوز كده" كل مهنة فيها الحلال والحرام، الصحافة مثلا فيها النموذج الأمين وفيها النموذج السيئ الذي يجري وراء الإثارة والتهويل ولا يضع في اعتباره ماذا سيترتب علي تهويله ومن سيدفع ثمن عدم نزاهته، كذلك الفن فيه من يحاول كسب الجمهور بتقديم أعمال مليئة بالرقص والخلاعة وفيه أيضا من يقدم أعمالا تعزز القيم وتدعم الفضيلة. ابتعادك وعزوفك عن الحديث للصحافة يكشف أنك تعرضت لهجوم من جانبها.. لذا فضلت الابتعاد؟ - بصراحة أنا تعرضت وزوجتي لهجوم عنيف من الإعلام.. قالوا إننا تلقينا أموالا من جهات معينة وحاول كثيرون تشوية صورتنا.. الغريب أنني عندما كنت أحاول الدفاع كان الرد أو التبرير لا ينشر في حجم الهجوم، وهذا كان يؤلمني جدا. بالتأكيد عندما فكرت في الانسحاب عارضك عدد كبير من الأقارب والأصدقاء؟ - فعلا .. عاتبني كثيرون من الأقارب ومن الأصدقاء مثل: الراحل عبد الله محمود وأحمد سلامة ووائل نور.. وأكثر من ذلك فقد ظهروا في برامج كثيرة وانتقدوا تصرفي ووصفوه بالموقف الخطأ.. لكني لم ألتفت وقررت الاستمرار. هل تعرضت لأزمة مالية بعد الاعتزال؟ - عانيت بكل تأكيد واستمرت المعاناة لمدة 8 سنوات، لكن الحمد لله كل شيء تغير إلي الأفضل والأحسن بعد ذلك.. لك أن تتخيل أنني قبل الاعتزال كنت لا أشعر بالبركة في الفلوس وعندما قررت الاعتزال تغير الحال وتحسن مستوى ابني "عمر" وابنتي "رنا" في الدراسة وتم الاستغناء عن بنود الدروس الخصوصية وشيئا فشيئا تغير شكل الحياة للافضل. من المؤكد أنك تعرضت لمغريات وضغوط بعد الاعتزال؟ - تعرضت لضغوط كثيرة، مثلا: جاءني تليفون من مجهول يقول صاحبه إن يوسف شاهين مشغول بالتحضير لفيلم جديد ولا يري غيري مناسبا لهذا الدور.. واتصلت بي الفنانة نيللي كي أشاركها فوازير رمضان بحكم أنني أجيد فن الاستعراض، لكني رفضت كل هذه العروض وتوكلت علي الله، ولم أندم علي أي شيء بفضل الله.. بالمناسبة كان الراحل عبد الله محمود يعاتبني علي قرار الاعتزال وعندما أصابه المرض وقبل أن يدخل غرفة العمليات طلب رؤيتي وذهبت إليه وقال لي قبل الوفاة "انت صح". بمناسبة يوسف شاهين تردد أنه هو الذي اكتشفك ومنحك فرصة الظهور الأولى .. ما حقيقة ذلك؟ - هذا الكلام غير حقيقي لأنني كنت معروفا قبل لقائي مع يوسف شاهين وكانت لي خمسة أعمال شهيرة جدا وهي: »القاتل«، »من أجل الحياة« إخراج أحمد ثروت، »عالم عيال عيال« مع الفنانة سميرة أحمد، »أفواه وأرانب« مع فاتن حمامة وإخراج بركات، »علي بيه مظهر« مع الفنان محمد صبحي، بعد كل هذه الأعمال التقيت مع شاهين وقدمت معه أعمالا مهمة وهي: »اسكندرية ليه«، »حدوتة مصرية«، »وداعا بونابرت«، »اليوم السادس« وهو الفيلم الذي توقفت عن التمثيل بعده. ما رأيك في سينما يوسف شاهين وكيف أبلغته بقرار الاعتزال؟ - يوسف شاهين بلا شك مخرج متميز وأستاذ في مهنته، والحقيقة أنني كنت مقتنعا بأفكاره في بداية لقائي به، لكن عندما اتسعت مداركي اختلفت معه في أفكاره لذا فضلت الابتعاد عنه واتخذت هذا القرار بعد تصوير الجزء الأول من فيلم "اليوم السادس" مع داليدا وبعد ضغوط طويلة قررت استكمال تصوير الفيلم حتي لا تخسر شركة الإنتاج. طوال العشرين سنة الماضية، هل كنت تتابع السينما أم كنت ترى الاقتراب منها ذنبا كبيرا؟ - كنت أتابع السينما بكل تأكيد .. وكان حالها لا يرضي أبدا لأنها كانت سينما ضعيفة، سخرها نظام مبارك لتضليل الناس والتعتيم علي جرائم الفساد.. ويجب أن تعلم أن "التدين لا يعني هجرة الإنسان للحياة" نعم كنت أتابع السينما لكنها للأسف كانت مثل السينما التي أعقبت هزيمة 67 كانت سينما مهزومة تعكس حالة الانكسار داخل الناس. ما رأيك في ثورة 25 يناير؟ - ثورة 25 يناير فعل إلهي والشباب سبب .. الله سبحانه وتعالي أراد لهذا الوطن أن يتخلص من الفساد الذي طال كل شيء، وأفقد الشباب الإحساس بالانتماء، فراح يفكر في الهجرة عبر البحر في قوارب لا ينجو ركابها من الموت أبدا.. عموما أنا متفائل بالأيام القادمة. ما حقيقة خبر عودتك من جديد للعمل في الوسط الفني؟ - سوف أعود كمخرج ومنتج من خلال فيلم له قيمة كبيرة، وسوف يتناول الفيلم أحداث ثورة 25 يناير وحتي الآن لم يتم ترشيح الممثلين وأنتظر موافقة الرقابة علي السيناريو. سؤال أخير ما المواصفات التي تتمناها في الرئيس القادم؟ - اتمني ان يكون في عدل سيدنا عمر بن الخطاب وان يجاهد نفسه و يدرك "ان النفس حصان من غير لجام".

ليست هناك تعليقات: