حوار منى الشاذلى مع رجب طيب اوردغان


ننشرحوار رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوجان للاعلامية منى الشاذلي ॥■ تعدت شعبيتك الداخل التركى وبات لك مريدون فى الشارعين العربى والإسلامى.. لكن إلى أى مدى من الممكن أن تكون تلك الشعبية داعمة لأحلامك أو عبئاً يزيد الضغوط عليك؟- أريد أن أقول للمشاهدين على شاشة التليفزيون - للشعب التركى والمصرى - إننى أشكرهم جميعاً، والموضوع بكل صراحة لا يعنى سوى خطوة مهمة تجاه بلادنا والمجتمع الدولى। أنا لا أريد الشهرة، ولم أسع إليها، لكن الأحداث فى تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا فرضت نفسها. عندما ننظر لتلك الدول كنا نستشعر الحزن، لأنها عانت لسنوات عديدة من أنظمة غير ديمقراطية لكن الشعوب كانت تريد رؤية إرادتها فى الحكم، وكما تعلمون الحياة تتغير والشعوب تسعى للمزيد من الحريات والحقوق، وما حققناه فى تركيا نريد أن تحققه مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا، ولو حدث هذا فستعيش المنطقة كلها فى رخاء وأمن، ستكتمل إرادة الشعوب عن طريق الانتخابات، ونتمنى هذا للشعب المصرى، فمنذ عصور طويلة ونحن مع بعضنا البعض، عواطفنا تجاه مصر وسوريا مشاعر أخوة وتواضع.■ ماذا تمثل زيارتكم للقاهرة فى تلك الفترة خاصة أنها الأولى بعد ثورة 25 يناير؟- سأذهب لمصر مع عائلتى لأزور عائلتى الأخرى، سيكون معى 10 وزراء، وسنؤسس خطوات مهمة فى تلك الزيارة، منها تفعيل المجلس القومى الاستراتيجى بين تركيا ومصر، لنسرع بالتعاون فى جميع المجالات. ودعينى أؤكد أن ما يحدث فى مصر طبيعى جداً وسيتم إجراء انتخابات ديمقراطية، تعبر عن إرادة الشعب، وسنتبادل وجهات النظر مع المسؤولين فى مصر، ولن يكون ما نعلنه مجرد اتفاقيات، وسيبدأ «المجلس المصرى - التركى القومى» عمله وسنتابعه، وكل خطوة سنخطوها ستكون لها فائدة، لأننا نريد أن نعرف ماذا يمكن أن تقدم تركيا لمصر وما يمكن لمصر أن تقدمه لتركيا، وكيف يتواصل شعبا البلدين، وأؤمن بأن تركيا ومصر والسعودية وإيران دول ذات تأثير وثقل فى المنطقة، خاصة مصر وتركيا اللتين أعتقد فى قدرتهما على قيادة مستقبل المنطقة، فمصر بوابة تركيا فى أفريقيا وتركيا بوابة مصر لأوروبا، ومن هنا تأتى أهمية التعاون بيننا.■ قبل تنحى الرئيس السابق حسنى مبارك أعلنتم بشكل واضح تأييدكم للتغيير وانضمامكم للثورة، كيف كانت حساباتكم وقتها.. وألا ترون فى ذلك مجازفة.. وإلى أى مدى تؤمنون بأن ما حدث يمكن أن يكون بداية جديدة؟- عندما أعلنا موقفنا من ثورة الشعب المصرى لم يكن لنا أى حسابات، قلنا ما فى صميم قلوبنا، نحن بلد تمارس فيه الحريات والحقوق، وفى السنوات الخمسين الماضية كانت لنا تجارب كثيرة، ومنذ 9 سنوات خاض حزبنا الانتخابات وفاز، ورؤيتنا أن الحكم لابد أن يتضامن مع الشعب، وأذكر أننى حضرت اجتماعا فى شرم الشيخ وقت أن كان رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف، الذى كان يدير الاجتماع وقتها، وسألتنى صحفية فى المؤتمر الصحفى عن الوقت الذى يستغرقه إجراء الانتخابات وإعلان النتائج فى تركيا فأجبتها بأن الانتخابات تجرى فى يوم واحد، تبدأ فى الثامنة صباحا وتنتهى فى الخامسة مساءً، وخلال 6 ساعات نعلن النتيجة، وخلال أسبوع يؤكد مجلس الانتخابات العالى النتيجة النهائية إن لم يتقدم أحد بالاعتراض عليها. يومها ابتسمت الصحفية وشكرتنى، وعند لقائى بها بعد المؤتمر قالت لى إنها كانت تعرف الإجابة، لكنها أرادت أن تعطى رسالة للمسؤولين المصريين، لأن إجراء الانتخابات يستغرق وقتاً طويلاً فى مصر، فهل كانت تلك ديمقراطية؟ من حق المصريين أن يشعروا بالحرية ويصوتوا لمن يشاءون، فحياة الإنسان بلا خوف تمنحه الكرامة، أليس من حق المصريين وكل الأفارقة العيش بكرامة مثل شعوب أمريكا وألمانيا. نحن ندعم الحرية فى أى مكان، وكمواطن تركى لم أكن أريد متابعة الموقف من النافذة، لأن الديمقراطية مسؤولية وأردت أن أؤدى واجبى نحوها.■ هل ستتوجهون لزيارة غزة بعد زيارتكم لمصر؟- من أهم الأمنيات التى أحلم بتحقيقها وعائلتى زيارة غزة، فما يحدث فيها ذو أهمية قصوى، وقد تواصلت مع إخوانى فى غزة بروحى، وأريد أن أتواصل معهم بجسدى أيضاً، ولكن لا أريد أن أضيق وقت الزيارة لمصر وشعبها، ولابد أن نتبادل وجهات النظر مع القيادة المصرية، وقلت لـ«محمود عباس» تعال معى نذهب لغزة سوياً ونجتمع فيها كإخوة، فوافق وقال إنه سيأتى معى عند زيارتها، وأنا أنتظر تلك الزيارة بفارغ الصبر.■ ينظر الشارع الإسلامى لـ«أردوجان» كبطل لتعامله بندية مع إسرائيل، لكن كثيراً من المحللين يرون العلاقة التركية مع إسرائيل عميقة الجذور، وما يحدث حالياً لن يؤثر فى التعاون المشترك بينكما؟- لا أشارك المحللين رؤيتهم، ففى «دافوس» كانت كلمتنا انطلاقا من الحق، لأن إسرائيل لم تحترم السلام ولم تسع له، عندما كان الأطفال على سواحل فلسطين يموتون أبرياء وهم فى أحضان أمهاتهم، رأيت تلك الصورة ولا أنساها، وأنا أؤمن بأن مساندة المظلوم واجب علينا، لم نسع للبطولة لكن كمسلم وإنسان أردت أن اكون مع الفلسطينيين، بينما إسرائيل هى «الطفل المدلل» للغرب ولا تستمع لأى قرارات دولية.فى الماضى كانت تركيا بقيادة حزب الشعب الجمهورى أول من أيد إعلان دولة إسرائيل، لكن انظروا القَدَر، اليوم اختلفت نظرتنا بما فينا ذلك الحزب لدولة إسرائيل، لأنها لا تحترم السلام. نعم كانت بيننا وبين إسرائيل اتفاقيات عسكرية واقتصادية لكنها أضاعت حليفها فى المنطقة حينما اعتدت على مواطنين أبرياء دون سلاح فى المياه الدولية على سفينة «مرمرة»، رغم تحريم ذلك دولياً. اعتدوا عليهم جواً وبحراً وقتلوا 9 شهداء أتراك من بينهم أمريكى من أصل تركى، لكن أمريكا لم تحم حقوقه، بينما إسرائيل كافأت جنودها الذين قتلوا الشهداء التسعة.قلنا لهم إننا نطالبهم بالاعتذار لتركيا ودفع تعويضات لأسر الشهداء ورفع الحصار عن غزة، لكنهم ماطلوا ورفضوا، وكان هناك الكثير من اللقاءات، ولكن بسبب الخلافات بينهم اتخذوا قرارات غير صحيحة، وبعد نشر التقرير الأخير اتخذنا حزمة من القرارات مثل تسيير السفن فى البحر المتوسط وهو من حقوق تركيا، وسنواصل الدفاع عن حقوق أسر الشهداء، ونقيم لهم دعوى بمحكمة العدل فى لاهاى، كما علقنا الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية. لا أحد يستطيع اللعب بكرامة الشعب التركى، ولو استمرت إسرائيل على موقفها فإن العلاقات التركية - الإسرائيلية لن تعود لسيرتها الطبيعيةوليست لدينا عداوات مع الشعب فى إسرائيل، وكل خلافاتنا مع القيادة الإسرائيلية وعقليتها، ومن قبل اجتمعنا كثيرا مع إيهود أولمرت، وزرت إسرائيل لكن عندما أردت زيارة الجانب الفلسطينى تركونى على المعبر نصف ساعة، وهو ما يعنى أنه ليست لديهم أخلاقيات دبلوماسية، هم يشعرون بأنهم يملكون قوة مفرطة يرهبون بها العالم طمعاً فى الحصول على الأمن، ومنذ سنوات أجريت مباحثات مع «أولمرت» لإنهاء مشكلة الجولان مع سوريا واتفقنا على عدة أمور، بعد عدة أيام بدأت الحرب على غزة، وكل ما قالوه فى الاجتماعات فعلوا عكسه، وطردنا السفير الإسرائيلى، وقررنا أن تكون سفن تركيا فى البحر المتوسط أكثر قوة وكذلك اقتصادناوأتمنى أن تكون هناك خطوات مشتركة مع مصر فى ذلك. وعلى أمريكا والغرب إعادة النظر فى سياساتهم فى الشرق الأوسط، نريد من الرئيس الأمريكى باراك أوباما تفعيل وعوده التى ألقاها فى كلمته فى تركيا وجامعة القاهرة فى مصر منذ 3 أعوام، لأنه لا أحد يمكنه التعامل مع العالم الإسلامى وكأننا غير موجودين، والإرهاب لا يمكن لصقه بالإسلام، لأن الإرهاب ليس له دين أو عرق.■ تجرى المناقشات فى مصر حول الدولة المدنية وعلاقتها بالدين.. لكم فى تركيا تجربة فريدة على أساس احترام الهوية الدينية وعدم التنازل عن علمانية الدولة.. لكن التيارات الدينية فى مصر ترى استحالة الجمع بين الفكرتين؟- فى مسيرتنا نحو الديمقراطية واجهتنا تلك المفاهيم والنقاشات، وأقول إن مفهوم العلمانية ليس مصطلحاً رياضياً، يمنحك حاصل ضرب رقمين، لكنه مفهوم اجتماعى يختلف من مجتمع لآخر، فالعلمانية فى المجتمع الأنجلوساكسونى تختلف عنها فى تركيا، ودفعنا من أجلها ثمناً غالياً فى تركيا، ونحن نعرّف العلمانية بأنها «وجود الدولة على مسافة متساوية من كل الأديان»، لا نقول على شخص إنه علمانى لكن نقول دولة علمانية، فأنا مسلم أعيش فى دولة علمانية، وهذا مسيحى يعيش فى دولة علمانية، فى تركيا 99% من السكان مسلمون وهناك مسيحيون ويهود وأقليات، لكن الدولة فى تعاملها معهم تقف عند نفس النقطة، وهذا ما يقره الإسلام ويؤكده التاريخ الإسلامى، وأدرك أن مصر ستنتقل للمرحلة الديمقراطية، لكن على واضع الدستور أن يعلم أنه من الضرورى أن تقف الدولة على مسافة واحدة من كل الأديان حتى يجد المجتمع كله الأمان الذى يسعى إليه.■ الكثير من التيارات الإسلامية السياسية فى مصر تعتقد أن الدولة العلمانية «كافرة»، وتعنى تفريغ المجتمع من هويته الدينية؟- بعد حديثى هذا سيفهمون بشكل مختلف أن ذلك ليس صحيحاً، وأتمنى أن يأخذ المصريون العلمانية من تلك الزاوية ويمكنهم دراسة تجربتنا لتلافى ما بها من أخطاء وتبادل الخبرات معنا، وسيتجاوز المصريون تلك الإشكالية إن شاء الله.■ ما أدواتك التى اعتمدت عليها فى تطوير بلدية اسطنبول؟- أشكركم على هذا السؤال، فعندما كنت رئيساً للبلدية لم يكن أحد لديه أمل أن تغييراً سيحدث فى تلك المدينة الكبيرة، التى كانت تعانى تلوث مياه البحر وعدم وجود مياه شرب نظيفة مع انعدام الخدمات، لم يكن أحد يستطيع السير بجوار شاطئ البوسفور من شدة الرائحة الكريهة التى تنبعث منه، حتى إن المتخصصين كانوا يقترحون ردم جزء كبير من الشاطئ، لكننى رفضت لأن هذا مخالف للطبيعة، وقررنا تنقية مياه البحر عبر أنابيب طولها 9 كم.لقد نظرنا فى إمكانيات البلدية ومواردها وبدأنا تنفيذ المشاريع التى تعبر عن الناس وطموحاتهم، لأننا نؤمن بأن خدمة الشعب تعنى خدمة الحق، وأن خير الناس أنفعهم للناس، ولو أحببت عملك ستنجز من خلاله المعجزات، والحكام خدام الشعوب، لسنا قادة ولا زعماء لكننا خدام لشعوبنا، ولذا نريد أن نتشارك فى تلك التجربة مع المصريين، نريد أن تكون هناك قاهرة جديدة، ولديكم مصادر تمويل كثيرة علينا استخدامها، عليكم إعادة الثقة فى القاهرة كمدينة تمتلك التاريخ والحاضر وتسعى للمستقبل، كان السائحون يأتون لتركيا للشمس والبحر فقط، وحالياً يأتون للعمل والعلم والصحة والثقافة.. كان يأتى إلينا 13 مليون سائح وصلوا حالياً إلى 30 مليوناً.■ كيف تعاملت خلال تجربتك كرئيس للبلدية مع مشكلتى التمويل وكسب ثقة الموطنين؟- كانت البداية بالقضاء على الفساد، فعندما تقضى على الفساد ترى الثراء، وأنا توليت منصبى كرئيس للبلدية ومديونيتها 2.5 مليار دولار، وكانت هناك مشاكل فى مياه الشرب، فأنشأت سدوداً للمياه وأوصلنا أنابيب لتوفير المياه النظيفة طولها 180 كم، وعندما يرى الناس أنك تقدمين لهم ما يحتاجون إليه يثقون بك، وأنتم عندما تقضون على الفساد ستمتلكون الإمكانيات، تلك هى الكلمة التى لها تأثير السحر.. لو قضيتم على الفساد لن يقف شىء أمامكم، بالإضافة لاستخدام العلم وإعلاء شأنه.■ أثناء بحثى وزملائى عن «أردوجان» الإنسان وجدنا لك مقطعاً على موقع «يوتيوب» تغنى فيه أغنية رومانسية.. هل تسعى كرئيس وزراء لمخاطبة شعبك بالعواطف إلى جوار السياسة؟- أحب الموسيقى التركية الكلاسيكية، وهناك شاعر تركى شهير كتب كلمات تلك الأغنية، التى كانت تقول: «أنا الآن فى طريق طويل... وأذهب فى هذا الطريق ليل نهار.. والتقارب بيننا كان مهماً جداً..مشينا فى هذا الطريق مع بعضنا، وتبللنا بنفس المطر مع بعضنا». وهكذا أجدنى الآن أهدى تلك الكلمات للشعب المصرى لأنها تذكّرنى بأمنيتنا فى التضامن معكم، وأرسل محبتى لأشقائى فى مصر.. نحن دين سلام وأؤمن بقدرة مصر على القضاء على الفساد ليقود الشعب المصرى نهضته




ليست هناك تعليقات: