حسن البنا...الحوارى الأمين

فى ذكرى إستشهاده ...حسن البنا الارض الطيبة "صفحات من نور"

ياسر حسن

فى كل يوم يثبت حسن البنا انه القرار الأصح فى تلك الأزمات التي تحدث ..لقد تغيرت الدنيا من معالم ..وبقى هو وبقيت دعوته مصدر إلهامه وإلهامنا.

من هنا نبدأ
...
في الأزقة الضيقة في أحشاء القاهرة : في حارة الروم ، وسوق السلاح وعطفة نافع ، وحارة الشماشرجي .. بدأ الإمام حسن البنا يدعو واجتمع حوله نفر قليل، كان حسن البنا الداعية الأول في الشرق، الذي قدم للناس برنامجاً مدروساً كاملاً ، لم يفعل ذلك أحد قبله، ولم يفعله جمال الدين الأفغاني ولا الشيخ محمد عبده، ولم يفعله زعماء الأحزاب والجماعات الذين لمعت أسماؤهم بعد الحرب العالمية الأولى ..

إن حياة الإمام البنا ( وتصرفاته) كانت تطبيقاً صادقاً للمبادئ التي نادى بها، وقد منحته دعوة الإخوان المسلمون حلة متألقة، قوية الأثر في النفوس، أخذها من هج القرآن والرسول الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – ولم تتح لزعماء السياسة ولا لرجال الدين في هذا العصر.

كان الإمام حسن البنا من الذين لا يشترون النجاح بثمن بخس، ولم يجعل الواسطة مبررة للغاية، كما يفعل رجال السياسة، ولذلك كان طريقه مليئاً بالأشواك ، وكانت متاعبه أنه كان يعمل في مجرى تراكمت فيه الجنادل والصخور، وكان هذا مما يدعوه إلى أن يدفع أتباعه من الإخوان إلى التسامي ويدفعهم إلى التغلب على مغريات العصر، والاستعلاء على الشهوات التي ترتطم بسفن النجاة فتحول دون الوصول إلى البر لقد كان الإمام حسن البنا يريد أن يصل إلى الحل الأمثل، مهما طال طريقه.

ولذلك داوم على دعوة الناس إلى فكرته بأنه لا تجزئة في الحق المقدس في الحرية والوطنية والسيادة، وكان هذا مما سبب له كثيراً من المتاعب .

شخصية الإمام

كان يؤمن بالواقعية ويفهم الأشياء على حقيقتها، حين تلقاه كان هادئاً غاية الهدوء، كان غيوراً على الوطن الإسلامي، يتحرق كلما سمع أن جزءاً منه قد أصباه سوء أو ألم به أذى .

كان متواضعاً تواضع من يعرف قدره، متفائلاً، عف اللسان ، عف القلم، يجل نفسه عن أن يجري مجرى أصحاب الألسنة الحداد .

كان مذهب الإمام البنا إن يرد مادة الأخلاق إلى صميم السياسة بعد أن نُزلت منها بعد أن قيل أن السياسة والأخلاق لا يجتمعان.

لقاء الثلاثاء

لقد كان يوم الثلاثاء من كل أسبوع .. يوماً مشهوراً يتجمع فيه بضع مئات من أنحاء القاهرة يستمعون إلى الإمام .. هذا الرجل الذي يصعد المنصة في جلبابه الأبيض وعباءته البيضاء وعمامته الصغيرة، فيجيل النظر في الحاضرين لحظة .. بينما تنطلق الحناجر بالهتاف .

كان أعجب ما في رحلات الإمام حسن البنا صبره على الرحلات في الصعيد .. هذه الرحلات التي لا تبدأ إلا في فصل الصيف حيث تكون البلاد في الوجه القبلي في حالة غليان .. وفي أحشائها ينتقل بالقطار والسيارة والدابة والقوارب وعلى الأقدام.

وتراه في غاية القوة واعتدال المزاج .. لا الشمس اللافحة ولا متاعب الرحلة تؤثر فيه ولا هو يضيق بها .. تراه منطلقاً كالسهم، منصوب القامة يتحدث إلى من حوله ويستمع ويفصل في الأمور.

وقد دامت هذه الرحلات خمسة عشر عاماً ، زار خلالها ألفي قرية ، وزار كل قرية بضع مرات، كان يزور أحياناً بلداً من البلاد بلغت فيه الخصومة بين عائلتين، فيقصد المسجد مباشرة ويجتمع بهم ويصفي ما بهم من خصومات.

إن الإمام حسن البنا رجل لا ضريب له في هذا العصر وإنه مر في تاريخ مصر، مرور الطيف العابر الذي لا يتكرر ثانية.

لقد عاش الإمام حسن البنا حياته كلها لم يحن رأسه ، ولم يتراجع عن نقاء فكرته ودعوته وسلامة هدفه.

زهد وبساطة

كان في بيته مثال الزهد ن في ملبسه مثال البساطة والتواضع، كان له من صفات الزعماء، صوته الذي تتمثل فيه القوة والعاطفة، وبيانه الذي يصل إلى الجماهير من خلال اللياقة والحنكة والمهارة في إدارة الحديث والإقناع.

لقد كانت شخصية الإمام حسن البنا جديدة على الناس .. عجب لها من رآها واتصل بها .. كان فيه من الساسة دهاؤهم، ومن القادة قوتهم ومن العلماء حججهم ، ومن الصوفية إيمانهم، ومن الرياضيين حماسهم، ومن الخطباء لباقتهم ، ومن الكتاب رصانتهم.

كان يقول كل شئ ولا تحس أنه جرح أو أساء.. وكان يوجه النقد في ثوب الرواية والمثل، وكان يضع الخطوط ويترك لاتباعه التفاصيل.

وكان من أبرز أعماله التي كان يدعو لها أنه جعل حب الوطن جزءاً من العاطفة الروحانية، فأعلى قدر الوطن وأعز قيمة الحرية، وجعل ما بين الغني والفقير حقاً وليس إحساناً ، وبين الرئيس والمرءوس صلة وتعاوناً وليس سيادة ، وبين الحاكم والشعب مسئولية وليبس تسلطاً.

وتلك من توجيهات القرآن غير أنه اعلنها هو على صورة جديدة في ثوب جديد هي ( جماعة الإخوان المسلمون ) اراد أن يستمد من عمر وخالد وأبي بكر .. فأخذ من أبي بكر السماحة ومن عمر التقشف ومن خالد عبقرية التنظيم .

دعوة الإخوان المسلمين


لقد حمل الإمام المصحف ووقف به في طريق رجال الفكر الحديث الذين كانوا يسخرون من ثلاث كلمات ( شرق وإسلام وقرآن) كان الإمام يريد أن يقول ( إن للشرق أن يمحص أفكار الغرب قبل أن يعتنقها ، بعد أن غدت الحضارة الغربية في نظر أصحابها لا توفي بما يطلب منها.

لقد آمن حسن البنا بأن القرآن والإسلام قوة نفسية قائمة في ضمير العالم العربي والإسلامي، فعمل على أن يستمد بهما طاقات من أناس يضعون بها ( توليفة) تعيد الاخلاق والقيم إلى الشارع.

عاش الإمام .. مات الإمام


أسلم الروح في جوف الليل ونُقل إلى بيته في جوف الليل ومُنع اهل البيت من إعلان الفاجعة وغسّله والده الشيخ عبد الرحمن البنا الساعاتي ، وخيم على الدنيا حزن شديد، لقد كان خليقاً بمن سلك مسلك أبي حنيفة ومالك وابن حنبل وابن تيمية في مواجهة الظلم والبطش والجبروت للباطل.

لقد كان الإمام البنا يدهش العالم في كل لحظات حياته، لقد صارت الأجيال من بعده على نهج من الإمام حسن البنا الذي نهل رسول الله هذه القوة التي سيظل صداها على مدى الأجيال يتحدث عن الإمام .. حسن البنا في صفحات من نور

ليست هناك تعليقات: