منذ الوهلة الأولى التي أعلنت فيها نقابة أطباء مصر قرارها بحظر نقل الأعضاء البشرية بين المسلمين والمسيحيين، بدا أن الشارع المصري ـ لاسيما في هذه الظروف السياسية والاجتماعية الراهنة ـ ليس مهيأً بالمرة، من جهة المواءمة السياسية، لقبول أو تمرير قرار مثير للجدل من هذا النوع، ففي الوقت الذي باتت تتواتر فيه الاحتقانات الطائفية بين الحين والآخر، ولأسباب شتى، يأتي هذا القرار ليصب مزيداً من الزيت على نيران تلك الاحتقانات المستعرة تحت طبقة رقيقة من الرماد في مصر، بغض النظر عن الخطاب الرسمي الذي ينكر هذه الأزمة برمتها، ولا يملك ثمة وسيلة للتعامل معها سوى نفي وجودها .
ويرى مراقبون وحقوقيون أن تذرع نقابة الأطباء برغبتها في التصدي لتجارة الأعضاء البشرية لا ينفي عن القرار شبهة الطائفية، فحظر نقل الأعضاء بين المسيحيين والمسلمين، لن يحول دون وجود تجارة للأعضاء، إذ يمكن أن يحدث هذا بين المسلمين وبعضهم البعض وأيضاً بين المسيحيين، وبالتالي فقد قوبل القرار بانتقادات من قبل عدد من علماء الأزهر الذين يبيحون نقل الأعضاء بين المسلمين وغيرهم دون تمييز، ولا يرون أنه تشوبه أي شبهة تحريم أو كراهية من جهة أحكام الشريعة، كما اعتبر رجال دين مسيحي وأساقفة كبار في الكنيسة القبطية أن هذا القرار يضر بالوحدة الوطنية، وينسف مضمون المواطنة كما نص عليها الدستور المصري، بعد التعديلات التي أدخلت عليه أخيراً .
الدكتور حمدي السيد نقيب أطباء مصر، ورئيس لجنة الصحة في مجلس الشعب (البرلمان)، يدافع عن هذا القرار وينفي عنه أي شبهة طائفية أو دينية، قائلاً: إن حظر نقل الأعضاء بين مختلفي الديانة والجنسية مجرد محاولة لوقف تجارة الأعضاء التي استشرت في الفترة الأخيرة فليس من المعقول أن يتبرع قبطي لمسلم ولا العكس، كذلك لا يجوز أن يتبرع مصري لخليجي أو أوروبي، ففي هذه الحالة فإن الأمر سيصبح تجارة أو على الأقل سيكون مشوباً بشبهة الاتجار بالأعضاء البشرية، ومن هنا تدخلت النقابة لضبط الأوضاع"، على حد تعبيره .
ويحظر قرار النقابة نقل الأعضاء بين المواطنين إلا من الأقارب حتى الدرجة الثالثة، ومنع التبرع بين المختلفين في الديانات أو الجنسيات، الى حين صدور القانون الذي تقدمته لجنة الصحة في مجلس الشعب (البرلمان) المصري، وهي اللجنة التي يرأسها د. حمدي السيد نقيب الأطباء، الذي وقف وراء صدور قرار نقابة الأطباء المثير للجدل .
وتزدهر في مصر أنشطة مافيوزية تستغل الفراغ القانوني للازدهار في بيع الاعضاء وسط اجواء من البؤس الاجتماعي، والمصريون الفقراء الذين يحملون ندوباً تدل على إجراء عملية جراحية لاستئصال كلية، لا حصر لهم، خاصة من سكان الأحياء الفقيرة في القاهرة حيث يجد الأثرياء مصدرا جديداً للحياة .
ردود الفعل
ويكاد يسود اتفاق بين رجال الدين الإسلامي والمسيحي على عدة مسائل جوهرية في هذا السياق، من بينها أنه لا يحق نقل أعضاء من جسد إنسان من دون إذنه، أو استخدامها دون موافقته، كما يوجد اتفاق أيضاً على ضرورة حظر الدعاية لصالح التبرع بأعضاء بشرية لصالح أي شخص أو جهة، مع ضرورة إعلام المجتمع وتوعيته من خلال متخصصين بفائدة التبرع بأجزاء الجسم، مع التأكيد على عدم ربط الأمر بدين المتبرع او المتلقي من قريب أو من بعيد، ما دامت لا تنطوي على شبهة التجارة بالأعضاء البشرية .
وفي أول رد فعل من قبل المجتمع المدني المسيحي المصري أصدرت "منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان" بياناً أعربت فيه عن دهشتها واستنكارها لما وصفته بـ "محاولات التمييز بين أبناء الوطن الواحد"، وقالت المنظمة في بيانها "نأسف لهذا القرار الصادر عن نقابة الأطباء بحظر نقل الأعضاء البشرية من المسيحي إلى المسلم والعكس" وفق ما ورد في بيان المنظمة التي يرأسها المستشار نجيب جبرائيل، وهو ناشط حقوقي قبطي ذائع الصيت في مصر، ومقرب من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية .
ومضى بيان المنظمة الحقوقية قائلاً "إن القرار يعتبر طعنة في الصميم تضرب الوحدة الوطنية، ويتنافى مع تعاليم كافة الأديان السماوية، التي تنادي بالمودة والتراحم"، كما دعا البيان إلى التصدي لهذا القرار الذي وصفه بـ العنصري، داعياً نقابة الأطباء إلى التراجع عنه، حتى لا تتورط في لعبة طائفية يمكن أن تلحق بمصالح البلاد والمواطنين أبلغ الضرر، متوقعا أن يثير هذا القرار أزمة كبيرة في كافة الأوساط المصرية .
ولوح نجيب جبرائيل بإقامة دعوى قضائية يختصم فيها نقيب الأطباء ويطالبه بإلغاء هذا القرار باعتباره مثيراً للفتنة الطائفية ويفرق بين أبناء الوطن، غير أنه ربط الإقدام على إقامة تلك الدعوى القضائية بعدم الاستجابة الطوعية من قبل نقابة الأطباء بالعدول عن هذا القرار، قائلاً إنه ـ أي قرار النقابة ـ أقرب ما يكون إلى الفتاوى الشرعية، وليس مجرد شأن طبي مهني يعني النقابة ويدخل في صميم اختصاصها" .
أما في الجانب الآخر من هذا المشهد ـ وهو الجانب الإسلامي ـ فلم تكن درجة رفض هذا القرار أقل، فقد اتفق عدد من كبار علماء الأزهر على رفض هذا القرار، ونفوا تماماً أن تكون نقابة الأطباء قد استطلعت رأي الأزهر في هذا القرار قبل أن تقدم على اتخاذه، مؤكدين أن هذا الأمر لم يعرض على الأزهر، الذي يرد على كافة الاستفسارات سواء كانت من جهات رسمية أو شعبية أو حتى من مواطنين عاديين" .
من جانبه اكتفى شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي بالقول إن التبرع بالأعضاء جائز دينياً وعقلياً، ويجوز النقل من شخص حي الى حي آخر انطلاقا من القاعدة أن "الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف"، وأن التبرع بالأعضاء أفضل معاني الإيثار، وهو صدقة جارية تدوم طوال العمر، بل من أفضل الصدقات، ما لم تكن مشوبة بشبهة المتاجرة بالأعضاء البشرية، وهي أحطّ أشكال السلوك غير القويم"، على حد تعبيره .ويؤكد الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق بعبارات صريحة إباحة نقل الأعضاء بقوله "إن التبرع بالأعضاء جائز شرعاً ولا شبهة فيه بالتحريم أو التأثيم، لأن المسلم إنسان والمسيحي إنسان، أما الحرام فهو البيع أو التجارة بالأعضاء البشرية، غير أن التبرع بها طواعية، فلا أعرف نصاً في القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة أو إجماع الفقهاء، أو غير ذلك من المصادر الفقهية ما يحرم هذا، أو حتى يتطرق إليه، باعتباره من الأمور المستحدثة في العلوم الطبية، والتي تقتضي أن تخضع لفقه جديد، يوازن بين المصالح المعتبرة والنصوص الشرعية، فما بالنا حين ينعدم وجود أي نص يحرم ذلك" .
ويؤيد الشيخ عاشور في ما ذهب إليه، الشيخ جمال قطب الرئيس السابق للجنة الفتوى في الأزهر، الذي أكد في تصريحات خاصة أن "الإسلام لا يؤثم التبرع بما لا يفسد الجسد إلى الآخرين، سواء كانوا من المسلمين أو غيرهم، كما أن نقل الأعضاء من جسد إلى جسد آخر، لا يشترط تماثل العقيدة أو الدين، إنما يشترط عدم إيذاء الجسد المنقول منه، وكذلك صلاحية الشخص المنقول إليه هذا العضو"، واختتم الشيخ قطب تصريحاته بالقول : "إن الأعضاء البشرية تنتقل من جسد ملك الله لآخر ملك الله أيضاً"، على حد تعبيره .
ويرى مراقبون وحقوقيون أن تذرع نقابة الأطباء برغبتها في التصدي لتجارة الأعضاء البشرية لا ينفي عن القرار شبهة الطائفية، فحظر نقل الأعضاء بين المسيحيين والمسلمين، لن يحول دون وجود تجارة للأعضاء، إذ يمكن أن يحدث هذا بين المسلمين وبعضهم البعض وأيضاً بين المسيحيين، وبالتالي فقد قوبل القرار بانتقادات من قبل عدد من علماء الأزهر الذين يبيحون نقل الأعضاء بين المسلمين وغيرهم دون تمييز، ولا يرون أنه تشوبه أي شبهة تحريم أو كراهية من جهة أحكام الشريعة، كما اعتبر رجال دين مسيحي وأساقفة كبار في الكنيسة القبطية أن هذا القرار يضر بالوحدة الوطنية، وينسف مضمون المواطنة كما نص عليها الدستور المصري، بعد التعديلات التي أدخلت عليه أخيراً .
الدكتور حمدي السيد نقيب أطباء مصر، ورئيس لجنة الصحة في مجلس الشعب (البرلمان)، يدافع عن هذا القرار وينفي عنه أي شبهة طائفية أو دينية، قائلاً: إن حظر نقل الأعضاء بين مختلفي الديانة والجنسية مجرد محاولة لوقف تجارة الأعضاء التي استشرت في الفترة الأخيرة فليس من المعقول أن يتبرع قبطي لمسلم ولا العكس، كذلك لا يجوز أن يتبرع مصري لخليجي أو أوروبي، ففي هذه الحالة فإن الأمر سيصبح تجارة أو على الأقل سيكون مشوباً بشبهة الاتجار بالأعضاء البشرية، ومن هنا تدخلت النقابة لضبط الأوضاع"، على حد تعبيره .
ويحظر قرار النقابة نقل الأعضاء بين المواطنين إلا من الأقارب حتى الدرجة الثالثة، ومنع التبرع بين المختلفين في الديانات أو الجنسيات، الى حين صدور القانون الذي تقدمته لجنة الصحة في مجلس الشعب (البرلمان) المصري، وهي اللجنة التي يرأسها د. حمدي السيد نقيب الأطباء، الذي وقف وراء صدور قرار نقابة الأطباء المثير للجدل .
وتزدهر في مصر أنشطة مافيوزية تستغل الفراغ القانوني للازدهار في بيع الاعضاء وسط اجواء من البؤس الاجتماعي، والمصريون الفقراء الذين يحملون ندوباً تدل على إجراء عملية جراحية لاستئصال كلية، لا حصر لهم، خاصة من سكان الأحياء الفقيرة في القاهرة حيث يجد الأثرياء مصدرا جديداً للحياة .
ردود الفعل
ويكاد يسود اتفاق بين رجال الدين الإسلامي والمسيحي على عدة مسائل جوهرية في هذا السياق، من بينها أنه لا يحق نقل أعضاء من جسد إنسان من دون إذنه، أو استخدامها دون موافقته، كما يوجد اتفاق أيضاً على ضرورة حظر الدعاية لصالح التبرع بأعضاء بشرية لصالح أي شخص أو جهة، مع ضرورة إعلام المجتمع وتوعيته من خلال متخصصين بفائدة التبرع بأجزاء الجسم، مع التأكيد على عدم ربط الأمر بدين المتبرع او المتلقي من قريب أو من بعيد، ما دامت لا تنطوي على شبهة التجارة بالأعضاء البشرية .
وفي أول رد فعل من قبل المجتمع المدني المسيحي المصري أصدرت "منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان" بياناً أعربت فيه عن دهشتها واستنكارها لما وصفته بـ "محاولات التمييز بين أبناء الوطن الواحد"، وقالت المنظمة في بيانها "نأسف لهذا القرار الصادر عن نقابة الأطباء بحظر نقل الأعضاء البشرية من المسيحي إلى المسلم والعكس" وفق ما ورد في بيان المنظمة التي يرأسها المستشار نجيب جبرائيل، وهو ناشط حقوقي قبطي ذائع الصيت في مصر، ومقرب من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية .
ومضى بيان المنظمة الحقوقية قائلاً "إن القرار يعتبر طعنة في الصميم تضرب الوحدة الوطنية، ويتنافى مع تعاليم كافة الأديان السماوية، التي تنادي بالمودة والتراحم"، كما دعا البيان إلى التصدي لهذا القرار الذي وصفه بـ العنصري، داعياً نقابة الأطباء إلى التراجع عنه، حتى لا تتورط في لعبة طائفية يمكن أن تلحق بمصالح البلاد والمواطنين أبلغ الضرر، متوقعا أن يثير هذا القرار أزمة كبيرة في كافة الأوساط المصرية .
ولوح نجيب جبرائيل بإقامة دعوى قضائية يختصم فيها نقيب الأطباء ويطالبه بإلغاء هذا القرار باعتباره مثيراً للفتنة الطائفية ويفرق بين أبناء الوطن، غير أنه ربط الإقدام على إقامة تلك الدعوى القضائية بعدم الاستجابة الطوعية من قبل نقابة الأطباء بالعدول عن هذا القرار، قائلاً إنه ـ أي قرار النقابة ـ أقرب ما يكون إلى الفتاوى الشرعية، وليس مجرد شأن طبي مهني يعني النقابة ويدخل في صميم اختصاصها" .
أما في الجانب الآخر من هذا المشهد ـ وهو الجانب الإسلامي ـ فلم تكن درجة رفض هذا القرار أقل، فقد اتفق عدد من كبار علماء الأزهر على رفض هذا القرار، ونفوا تماماً أن تكون نقابة الأطباء قد استطلعت رأي الأزهر في هذا القرار قبل أن تقدم على اتخاذه، مؤكدين أن هذا الأمر لم يعرض على الأزهر، الذي يرد على كافة الاستفسارات سواء كانت من جهات رسمية أو شعبية أو حتى من مواطنين عاديين" .
من جانبه اكتفى شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي بالقول إن التبرع بالأعضاء جائز دينياً وعقلياً، ويجوز النقل من شخص حي الى حي آخر انطلاقا من القاعدة أن "الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف"، وأن التبرع بالأعضاء أفضل معاني الإيثار، وهو صدقة جارية تدوم طوال العمر، بل من أفضل الصدقات، ما لم تكن مشوبة بشبهة المتاجرة بالأعضاء البشرية، وهي أحطّ أشكال السلوك غير القويم"، على حد تعبيره .ويؤكد الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق بعبارات صريحة إباحة نقل الأعضاء بقوله "إن التبرع بالأعضاء جائز شرعاً ولا شبهة فيه بالتحريم أو التأثيم، لأن المسلم إنسان والمسيحي إنسان، أما الحرام فهو البيع أو التجارة بالأعضاء البشرية، غير أن التبرع بها طواعية، فلا أعرف نصاً في القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة أو إجماع الفقهاء، أو غير ذلك من المصادر الفقهية ما يحرم هذا، أو حتى يتطرق إليه، باعتباره من الأمور المستحدثة في العلوم الطبية، والتي تقتضي أن تخضع لفقه جديد، يوازن بين المصالح المعتبرة والنصوص الشرعية، فما بالنا حين ينعدم وجود أي نص يحرم ذلك" .
ويؤيد الشيخ عاشور في ما ذهب إليه، الشيخ جمال قطب الرئيس السابق للجنة الفتوى في الأزهر، الذي أكد في تصريحات خاصة أن "الإسلام لا يؤثم التبرع بما لا يفسد الجسد إلى الآخرين، سواء كانوا من المسلمين أو غيرهم، كما أن نقل الأعضاء من جسد إلى جسد آخر، لا يشترط تماثل العقيدة أو الدين، إنما يشترط عدم إيذاء الجسد المنقول منه، وكذلك صلاحية الشخص المنقول إليه هذا العضو"، واختتم الشيخ قطب تصريحاته بالقول : "إن الأعضاء البشرية تنتقل من جسد ملك الله لآخر ملك الله أيضاً"، على حد تعبيره .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق