يدور الآن جدل وسط المسيحيين الأميركيين حول مصير بن لادن بعد مقتله. هل مثواه النار جزاء على قتله آلاف الأبرياء، أم أنه سيفلت من العقاب الإلهي لأن الرب رحيم بكل البشر وديدنه هو الحب العظيم؟
أدى تلازم حدثين في الآونة الأخيرة الى إعادة المسيحيين الأميركيين النظر في مسألة وعذاب الدار الآخرة. والحدثان هما مقتل أسامة بن لادن، ونشر كتاب «الحب هو المنتصر» لمؤلفه القس الكاتب روب بيل.
السؤال الذي أثاره الحدثان يدور حول اولئك الذين سيصلون عذاب النار واؤلئك الناجون من هذا العذاب. ووفقا لمقال للكاتب توماس كيد على صحيفة «يو إس ايه توداي» فحتى الأميركيون الذين لا يعيرون الدين أي قدر من الاهتمام يجدون الآن العزاء في أن بن لادن، «هذا الإرهابي الوحش» على حد قوله، يقف الآن بين يدي خالقه الذي سيذيقه نوع العقاب الذي يستحق.
لكن روب بيل، وهو قسيس شهير، بكتاباته العديدة يقول بغير ذلك في كتابه الجديد انطلاقا من أن الإله «محب عظيم رحيم لن يذيق أحدا عذاب النار، بمن في ذلك أسامة بن لادن نفسه». وقد أثار الكتاب عاصفة وسط البروتستانت الأميركيين الذين يعتبرون عذاب النار من المسلمات الإنجيلية التي لا يطالها الجدل والنقاش.
ولدى علمه بما ورد في الكتاب، انبرى جون بايبر، وهو قس أميركي شهير آخر، وقال في رسالة مقتضبة على موقع «تيوتر» عبارة واحدة هي: «وداعاً روب بيل!» وذلك في إشارة الى أن الرجل تعدى كل الحدود وأتى بما لا يُقال فى أروقة الكنيسة أصلا.
والواقع أن مفهوم النار الأبدية أطّر أيضا ردات فعل العديد من الأميركيين إزاء مقتل بن لادن الذي هيأ الجو لحوار ديني – حتى في أوساط المسيحيين غير المتدينين – عن مصائر الأرواح التي فارقت الدنيا. لكن هذا بالطبع «حوار لا معنى له» وسط اولئك الذي لا يؤمنون بإله ودار آخرة وعقاب وثواب.
ويذكر أن الجموع، التي احتشدت أمام البيت الأبيض عقب إعلان الرئيس اوباما مقتل بن لادن في باكستان، راحت تنشد، «OBL, you are in Hell» «او بي إل (الأحرف الأولي في اسم أسامة بن لادن).. أنت في الجحيم»، وهذا لأن صوت الحرف L يتقافى مع كلمة Hell.
وخاطب مايك هكابي، مقدم برنامة «فوكس» التلفزيوني الإخباري بن لادن قائلا له: «مرحبا بك الى الجحيم». وقد أجرت «سي إن إن» استطلاعا عاما قال فيه 61 في المائة من الأميركيين إنهم يؤمنون بأن مثوى بن لادن هو النار. وعلى هذا الأساس فيبدو أن القس روب بيل يمثل رأي الأقلية.
على أن تناول مفهوم النار الأبدية يتفاوت في هذه الأزمنة الحديثة. فهناك عديدون، من امثال بيل، يعتقدون أن التقدم الفلسفي المتعلق بالأخلاق يستدعي إعادة النظر في فهم المقصود بالجحيم الذي يشار إليه في الكثير من المواضع، ليس في المسيحية وحسب وإنما وفي الإسلام وبعض الاتجاهات في اليهودية أيضا. ومع ذلك فإن بيل يجادل بأن الرحمة الإلهية لا يمكن أن تلقي ببشر الى عذاب النار.
وهناك، في الجهة المقابلة، القس بايبر والمذيع هاكابي وأمثالهم الذي يقولون أولا إن الأخيار يعلمون من سيكون عقابه النار، وثانيا، إن الأشرار بصفة خاصة سيخضعون لمر العقاب الإلهي. على أن هذا لم يكن هو الفهم السائد للأمور على مر التاريخ المسيحي.
فهناك، على سبيل المثال، القس الأميركي جونانثان إدواردز الذي عاش في القرن الثامن عشر واشتهر بشكل خاص بمواعظه عن عذاب النار. وبالنسبة له فإن «سائر الناس مهددون بالجحيم بغض النظر عن لباس الخير الذي يظهرون به في الدنيا. ولأن الرب مقدس في كليّته، فقد أخفقنا، نحن البشر، في طاعة أوامره وعليه فجميعنا عرضة لعذاب النار لأننا مذنبون إزاء رب غاضب»، على حد قوله.
ورغم أن إدواردز كان يلقي مواعظه بشكل رئيسي وسط الهنود الحمر، أصحاب الأراضي الجديدة الأصليون، فقد كان يقول لهم «ما لا يُقال» بمقاييس تلك الأيام من أنهم ليسوا أكثر ذنبا من المسيحي الانكليزي الأبيض المستعمِر.
ويختتم الكاتب مقاله بالقول إن المسيحيين الأميركيين بحاجة الى وضوح الرؤية والإنسانية في تناولهم لمفهوم الجحيم. ويخلص الى أنه بالرغم من أن مفهوما كهذا قد يتعارض مع الثقافات الحديثة، فإن هذا بحد ذاته لا يعدل الوزن الهائل الذي تتمتع به التعاليم المسيحية والتقاليد التاريخية. وفي الجهة المقابلة فإن افتراض اولئك المسيحيين أن بن لادن يُذاق الآن عذاب النار ييتعامل مع مفهوم الجحيم الغامض المخيف بأقل من رجاحة العقل التي يستحقها.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق